سورة الأنبياء - تفسير تفسير البغوي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الأنبياء)


        


{فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا} قرأ الكسائي {جذاذا} بكسر الجيم أي كسرا وقطعا جمع جذيذ، وهو الهشيم مثل خفيف وخفاف، وقرأ الآخرون بضمه، مثل الحطام والرفات، {إِلا كَبِيرًا لَهُمْ} فإنه لم يكسره ووضع الفأس في عنقه، وقيل ربطه بيده وكانت اثنين وسبعين صنما بعضها من ذهب وبعضها من فضة وبعضها من حديد ورصاص وشَبّة وخشب وحجر، وكان الصنم الكبير من الذهب مكللا بالجواهر في عينيه ياقوتتان تتقدان. قوله تعالى: {لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ} قيل: معناه لعلهم يرجعون إلى دينه وإلى ما يدعوهم إليه إذا علموا ضعف الآلهة وعجزها، وقيل: لعلهم إليه يرجعون فيسألونه، فلما رجع القوم من عيدهم إلى بيت آلهتهم ورأوا أصنامهم جذاذا. {قَالُوا مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ} أي من المجرمين. {قَالُوا} يعني الذين سمعوا قول إبراهيم: {وتالله لأكيدن أصنامكم}، {سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ} يعيبهم ويسبهم، {يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ} هو الذي نظن صنع هذا، فبلغ ذلك نمرود الجبار وأشراف قومه. {قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ} قال نمرود: يقول جيئوا به ظاهرا بمرأى من الناس، {لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ} عليه أنه الذي فعله، كرهوا أن يأخذوه بغير بينة، قال الحسن وقتادة والسدي، وقال محمد بن إسحاق {لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ} أي يحضرون عقابه وما يصنع به.


فلما أتوا به، {قَالُوا} له {أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ}؟ {قَالَ} إبراهيم، {بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا} غضب من أن تعبدوا معه هذه الصغار وهو أكبر منها فكسرهن، وأراد بذلك إبراهيم إقامة الحجة عليهم، فذلك قوله: {فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ} حتى يخبروا من فعل ذلك بهم.
قال القتيبي: معناه بل فعله كبيرهم إن كانوا ينطقون على سبيل الشرط، فجعل النطق شرطا للفعل، أي إن قدروا على النطق قدروا على الفعل، فأراهم عجزهم عن النطق، وفي ضمنه أنا فعلت،.
وروي عن الكسائي أنه كان يقف عند قوله: {بَلْ فَعَلَهُ} ويقول: معناه فعله من فعله، والأول أصح لما روي عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لم يكذب إبراهيم إلا ثلاث كذبات، اثنتان منهن في ذات الله، قوله: {إني سقيم} [الصافات: 89]، وقوله: {بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ} وقوله لسارة {هذه أختي}». وقيل في قوله: {إِنِّي سَقِيمٌ} أي سأسقم، وقيل: سقم القلب أي مغتم بضلالتكم، وقوله لسارة: هذه أختي أي في الدين، وهذه التأويلات لنفي الكذب عن إبراهيم، والأولى هو الأول للحديث فيه، ويجوز أن يكون الله عز وجل أذن له في ذلك لقصد الصلاح وتوبيخهم والاحتجاج عليهم، كما أذن ليوسف حتى أمر مناديه فقال لإخوته: {أيتها العير إنكم لسارقون} [يوسف: 70]. ولم يكونوا سرقوا. {فَرَجَعُوا إِلَى أَنْفُسِهِمْ} أي فتفكروا بقلوبهم، ورجعوا إلى عقولهم، {فَقَالُوا} ما نراه إلا كما قال: {إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ} يعني بعبادتكم من لا يتكلم. وقيل: أنتم الظالمون هذا الرجل في سؤالكم إياه وهذه آلهتكم حاضرة فاسألوها.


{ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُءُوسِهِمْ} قال أهل التفسير: أجرى الله الحق على لسانهم في القول الأول، ثم أدركتهم الشقاوة، فهو معنى قوله: {ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُءُوسِهِمْ} أي ردوا إلى الكفر بعد أن أقروا على أنفسهم بالظلم، يقال نكس المريض إذا رجع إلى حاله الأول، وقالوا: {لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلاءِ يَنْطِقُونَ} فكيف نسألهم؟ فلما اتجهت الحجة لإبراهيم عليه السلام. {قَالَ} لهم، {أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنْفَعُكُمْ شَيْئًا} إن عبدتموه، {وَلا يَضُرُّكُمْ} إن تركتم عبادته. {أُفٍّ لَكُمْ} أي تبا وقذرا لكم، {وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ} أي أليس لكم عقل تعرفون هذا، فلما لزمتهم الحجة وعجزوا عن الجواب. {قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ} أي: إن كنتم ناصرين لها.
قال ابن عمر رضي الله عنهما: إن الذي قال هذا رجل من الأكراد. وقيل: اسمه هيزن فخسف الله به الأرض فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة.
وقيل: قاله نمرود، فلما أجمع نمرود وقومه على إحراق إبراهيم عليه السلام، حبسوه في بيت، وبنوا له بنيانا كالحظيرة.
وقيل: بنو أتونا بقرية يقال لها كوثى ثم جمعوا له صلاب الحطب من أصناف الخشب مدة حتى كان الرجل يمرض فيقول لئن عافاني الله لأجمعن حطبا لإبراهيم، وكانت المرأة تنذر في بعض ما تطلب لئن أصابته لتحطبن في نار إبراهيم، وكان الرجل يوصي بشراء الحطب وإلقائه فيه، وكانت المرأة تغزل وتشتري الحطب بغزلها، فتلقيه فيه احتسابا في دينها.
قال ابن إسحاق كانوا يجمعون الحطب شهرا فلما جمعوا ما أرادوا أشعلوا في كل ناحية من الحطب فاشتعلت النار واشتدت حتى أن كان الطير ليمر بها فيحترق من شدة وهجها، فأوقدوا عليها سبعة أيام.
روي أنهم لم يعلموا كيف يلقونه فيها فجاء إبليس فعلمهم عمل المنجنيق فعملوا، ثم عمدوا إلى إبراهيم فرفعوه على رأس البنيان وقيدوه ثم وضعوه في المنجنيق مقيدا مغلولا فصاحت السماء والأرض ومن فيها من الملائكة وجميع الخلق إلا الثقلين صيحة واحدة، أي ربنا إبراهيم خليلك يلقى في النار وليس في أرضك أحد يعبدك غيره فآذن لنا في نصرته، فقال الله عز وجل: إنه خليلي ليس لي غيره، وأنا إلهه وليس له إله غيري، فإن استغاث بشيء منكم أو دعاه فلينصره فقد أذنت له في ذلك، وإن لم يدع غيري فأنا أعلم به وأنا وليه فخلوا بيني وبينه، فلما أرادوا إلقاءه في النار أتاه خازن المياه فقال: إن أردت أخمدت النار وأتاه خازن الرياح فقال: إن شئت طيرت النار في الهواء، فقال إبراهيم: لا حاجة لي إليكم حسبي الله ونعم الوكيل.
وروي عن أبي بن كعب أن إبراهيم قال حين أوثقوه ليلقوه في النار لا إله إلا أنت سبحانك رب العالمين لك الحمد ولك الملك لا شريك لك ثم رموا به في المنجنيق إلى النار، واستقبله جبريل فقال: يا إبراهيم لك حاجة؟ فقال أما إليك فلا قال جبريل: فاسأل ربك، فقال إبراهيم حسبي من سؤالي علمه بحالي.
قال كعب الأحبار: جعل كل شيء يطفئ عنه النار إلا الوزغ فإنه كان ينفخ في النار.
أخبرنا عبد الواحد المليحي، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي أخبرنا محمد بن يوسف أخبرنا محمد بن إسماعيل أخبرنا عبيد الله بن موسى وابن سلام عنه أخبرنا ابن جريج عن عبد الحميد بن جبير عن سعيد بن المسيب عن أم شريك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بقتل الوزغ، وقال: «كان ينفخ النار على إبراهيم».

2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9